إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
33309 مشاهدة
من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح

قال المؤلف رحمة الله تعالى: باب: من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح.
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه؛ إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين .


ابن جدعان هذا من قبيلة بني تيم، الذين هم من أقارب عائشة وأبي بكر من قريش؛ رزقه الله مالا وكان من أثرياء قريش، وفتح الله عليه في الدنيا، فكان كريما جوادا فكان يقري الضيف، ويكفل المساكين، ويطعم اليتامى، ويعطي ذوي الحاجة، ويطعم في أوقات الجوع؛ حتى كان له جفنة أي: صحفة كبيرة من الخشب يملأها طعاما من كبرها يأكل منها الراكب على البعير ارتفاعها؛ تمتلئ طعاما فيأتي الراكب على البعير، ويقف إلى جانبها ويأكل منها، مما دل على كرمه وكثرة عطائه، ولكنه مات في الجاهلية قبل أن يدرك الإسلام.
عائشة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل ينفعه ما كان قدمه؟ هل تنفعه أعماله كونه يتصدق، ويكفل اليتامى ويطعم المساكين ويقري الضيف، ويكرم الحجاج والوافدين ويعطيهم ويصلهم؟ فقال: لا ينفعه ما أراد بذلك الدار الآخرة، ما أراد إلا الشهرة في الدنيا، لم يطلب الآخرة ولم يعمل لها، ولم يقل يوما من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. ولم يكن من الذين يؤمنون بالبعث ولا بيوم القيامة، ولا بالدار الآخرة ولا بالجنة ولا بالنار؛ بل كان على معتقد ما كان عليه الجاهلية، فعمله جوزي به في الدنيا، وهو الثناء من الناس والذكر من الناس والمدح منهم.
فهكذا أهل الجاهلية، إلا من أدرك الإسلام فإنه ينفعه ما قدم في جاهليته وفي إسلامه، إذا أسلم وحسن إسلامه كما ذُكر عن حكيم بن حزام رضي الله عنه كان من أثرياء قريش. أعتق قبل الإسلام ستين مملوكا، ولما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ما قدمه فقال: أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير فقال: لا أترك عملا عملته في الجاهلية إلا عملت مثله في الإسلام؛ فأعتق في الإسلام أيضا ستين مملوكا، وعمل الأعمال الصالحة التي فرضها الله تعالى.